تفسير سورة الفاتحة وسبب نزولها

نزل القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة واحدة، فقد قال الله تعالى: {إنَّا أَنزَلنَاهُ في ليلَة مُبَارَكَة إنَّا كُنَّا مُنذرينَ} (الدخان: 3}، وأثنى الله تعالى كل كتابه الكريم في كثير من الآيات ووصفه بالعظيم بقوله تعالى: {ولَقَد آتَينَاك سَبعاً منَ المَثاني والقرآن العَظيمَ} (الحجر: 87) والعظمة هي صفة الله عز وجل، ووصفه أيضاً بأم الكتب وبأنَّه كتاب مبارك وبركته تمتد إلى يوم القيامة، فيأتي شفيعاً لأصحابه.



لقد نزل القرآن العزيز لهداية الناس ونفعها وتميز بالعديد من الفضائل منها أنَّه أفضل الكتب السماوية، ونزل على أفضل الرسل وبأفضل الألسنة وأفصحها ولأفضل أمة قد أخرجت للناس، وكل ما ذكر فيه هو صادق وحق ولا خلل فيه ولا عيوب، فقد نُفِي التناقض في آياته في قوله تعالى: {ولَو كَانَ من عند غير الله لَوَجَدُوا فيه اختلاَفاً كَثيراً} (النساء: 82)، وتحدَّى الله عز وجل به الخلق جميعهم في قوله: {قُل لَئن اجتَمَعَت الإنسُ والجنُّ عَلَى أن يأتُوا بمثل هَذَا القرآن لاَ يَأتُونَ بمثله وَلَو كَانَ بَعضُهُم لبعض ظَهيراً} (الإسراء: 88)، فعظمة القرآن يعجز عنها الخلق جميعهم فلا يأتون بسورة منه.

من نعم الله عز وجل على عباده في القرآن الكريم سورة الفاتحة التي يُفتتح بها القرآن الكريم؛ لذلك سنتحدث في مقالنا اليوم عن سبب نزول سورة الفاتحة، وعن سورة الفاتحة للأطفال كونها أول ما يتم تعليمه للطفل، فتابع القراءة.

التعرُّف إلى سورة الفاتحة:

قبل أن نتحدث عن سبب نزول سورة الفاتحة إليك كافة المعلومات التي تعرفك إليها:

أولاً: سورة الفاتحة هي السورة الأولى في القرآن الكريم وعدد آياتها 7 آيات مع البسملة أما عدد كلماتها، فهو 29 وعدد حروفها 139، وهي كالآتي: {بسم الله الرَّحمَن الرَّحيم (1) الحَمدُ لله رَبِّ العَلَمين (2) الرَّحمَن الرَّحيم (3) مَلك يوم الدِّين (4) إيَّاكَ نَعبُدُ وإيَّاك نَستعينُ (5) اهدنَا الصِّرَاطَ المُستقيم (6) صرَاطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهم غَير المغضُوب عَلَيهم وَلَا الضَّالَينَ (7)}.

ثانياً: سورة الفاتحة سورة مكية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وترتيبها الخامس حسب ترتيب النزول.

ثالثاً: أُطلِقَت على سورة الفاتحة عدة أسماء أبرزها "فاتحة الكتاب" و"أم القرآن" و"السبع المثاني" و"أم الكتاب" و"الحمد" و"الكافية" لأنَّها تكفي عن غيرها و"الأساس" لكونها أساس للقرآن الكريم، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم الآتي: قال :"ألا أعلِّمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد"، فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج، قلت: يا رسولَ الله، إنَّك قلت: "لأعلِّمنك أعظم سورة من القرآن"، قال "الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيتُه" (أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد بن المعلى).

رابعاً: مكانة سورة الفاتحة بين السور الأخرى في القرآن الكريم: سورة الفاتحة أفضل سورة في القرآن الكريم، ويؤكد على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم المذكور آنفاً، إضافة إلى بطلان الصلاة لمن لم يقرأ بها أو نقصان الأجر، فتعدُّ ركناً أساسياً من أركانها، ويؤكد على ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" فقد شرع الله عز وجل لعباده أن يقرؤوا الفاتحة في كل ركعة من الصلاة، وهذا سبب تسميتها باسم "المثاني".

ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه أمره أن ينادي "لا صلاة إلَّا بقراءة فاتحة الكتاب وما زاد"، كما أنَّ الفاتحة لم يأتِ مشابه لها في الديانات السماوية الأخرى، فهذا ما ذكره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله: "والذي نفسي بيده، ما أُنزلَ في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزَّبور، ولا في الفُرقان مثلها، إنَّها السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيته".

خامساً: سورة الفاتحة للأطفال: أول ما يتم تعليمه للطفل فيما يخص دينه الإسلامي والقرآن الكريم هو سورة الفاتحة، وتعليم سورة الفاتحة للأطفال يجب أن يكون مهمَّة الأم لأنَّها مَهَمة حساسة، فالطفل سيقرؤها بنفس الطريقة طيلة حياته في كل صلاة وهذا أجر عظيم للأم، ولأنَّ الذاكرة البصرية للطفل تكون في أنشط حالة وبخاصة في سنوات عمره الأولى؛ يمكن الاعتماد على استخدام البطاقات وأوراق العمل التي تُرسم عليها رسوماً توضيحية لمعنى الآيات، فمثلاً يتم رسم خط مستقيم ومستو وآخر متعرج وطويل للتفريق بين الصراط المستقيم وصراط المغضوب عليهم، وكذلك بطاقات يرسم عليها ما يحبه الطفل بوصفه إشارة إلى النعم التي يجب أن نحمد الله عز وجل عليها، ومن الضروري الانتباه إلى تعليم الطفل بلطف ومرح ليستمتع بالوقت الذي يقضيه في تعلم القرآن؛ فذلك يترك انطباعاً جيداً.

شاهد بالفديو: فضل قراءة القرآن الكريم

ما هو سبب نزول سورة الفاتحة؟

ورد عن عمرو بن شرحبيل رضي الله عنه أنَّه قال: "إنَّ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كان إذا بَرَزَ سَمِعَ منادياً ينادي يا مُحمَّدُ، فإذا سمع الصوت انطلق هارباً، فقال له ورقة بن نوفل إذا سمعت النِّداء، فاثبت حتى تسمع ما يقولُ لكَ، فقالَ لبَيك، قال قُل أشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله ثمَّ قُل الحمدُ لله ربِّ العالمينَ الرَّحمن الرَّحيم حتى فرغَ من فاتحة الكتاب".

تفسير سورة الفاتحة؟

إليك فيما يأتي تفسير سورة الفاتحة بشكل تفصيلي:

1. {بسم الله الرَّحمن الرَّحيم}:

تسمى سورة الفاتحة بهذا الاسم لأنَّ القرآن الكريم يُفتَتَحُ بها، والبسملة نفتتح بها القراءة "بسم الله" يدل على البدء بكل اسم لله تعالى، ولفظ "اسم" مفرد مضاف و"الله" هو المعبود المألوه، و"الرحمن الرحيم" هما اسمان من أسماء الله الحسنى ويدلان على رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء من حي وميت، فمختلف النعم تعدُّ آثاراً من رحمة الله تعالى، وكتب الله عز وجل رحمته للمتقين من الأنبياء والرسل بشكل مطلق، أما ما تبقى فلهم نصيب أو جزء من رحمة الله تعالى.

إقرأ أيضاً: الحياة ومقوماتها من القرآن الكريم

2. {الحمدُ لله رب العالمين}:

وتفسير ذلك أنَّ الثناء والشكر لله وحده على عدالته وفضله ورحمته وكل النعم التي رزقنا بها فله الحمد بكافة الوجوه، وهو "رب العالمين" أي المربي لمختلف العالمين، وهم الجميع من سوى الله عز وجل، الخالق لهم والرازق والهادي والذي أنعم عليهم بكثير من النعم التي إن فقدها العباد، فلا يمكنه البقاء دونها.

3. {الرَّحمن الرَّحيم}:

كما ذكرنا آنفاً هما الدالان على رحمة الله تعالى الواسعة.

4. {مالك يوم الدِّين}:

الله المالك هو الذي يأمر وينهى ويعاقب ويثيب كل مخلوق على عمله؛ لأنَّه يمتلك حرية التصرف بمماليكه بالشكل الذي يريد، لذلك يستوي في يوم الدين الجميع من عبيد وأحرار ورعايا وملوك وأغنياء وفقراء، فالجميع ينتظر ثوابه أو عقابه وخاضع لعزته وعظمته.

5. {إيَّاك نَعبُدُ وإيَّاكَ نستعينُ}:

وهنا المقصد أنَّنا نخصُّ الله وحده بالعبادة وهو إثبات لما سبق، والعبادة تجمع كل ما يحبه الله عز وجل من أعمال وأقوال ظاهرة أو باطنة، أما الاستعانة في أن يعتمد العبد على ربه في دفع الأضرار والشرور عنه وجلب المنافع والمكاسب له مع وجود الثقة التامة بأنَّ الله تعالى هو فقط من يمكننا الاستعانة به، فإن لم يعن الله عبده على أمر ما إذاً لن يحصل هذه الأمر.

6. {اهدنا الصِّراط المستقيم}:

وهو الطلب من الله تعالى أن يرشدنا ويدلنا إلى طريق الإيمان الذي يوصلنا إلى نيل رضاه، وهذا ما يلزم المسلمين، فالهداية تعني الالتزام والثبات على الدين الإسلامي وترك ما تبقى من الأديان، وواجب المسلم أن يدعو الله بهذه الدعوة في كل ركعة في الصلاة.

7. {صراطَ الَّذينَ أنعمت عليهم غَير المغضُوب عَلَيهم ولا الضَّالين}:

يقصد بهذه الآية دعوة الله تعالى بأن يرزقنا الصراط المستقيم الذي أنعمه على الأنبياء والشهداء والصالحين والمتقين، ويبعدنا عن صراط الجهلة والضالين ممن تركوا الحق واتبعوا الباطل وابتعدوا عن طريق الصلاح فهم عليهم غضب الله تعالى.

تفسير سورة الفاتحة بشكل عام، إنَّ الله تعالى يخبر عباده بأنَّه يستحق الحمد الكامل وحده فقط، ويدلهم إلى أنَّه عليهم الثناء والتمجيد والحمد، ويرشدهم إلى عبادته وحده لا شريك له وإفراده بالاستعانة به ودعوته بالهداية إلى الطريق الذي يرضيه مع من أنعم عليهم من الأنبياء والصالحين.

إقرأ أيضاً: أفضل كتب تفسير القرآن

في الختام:

سورة الفاتحة هي السورة التي يفتتح بها كتاب الله عز وجل، وأطلق عليها عدة أسماء أبرزها السبع المثاني والكافية، وإنَّ تفسير سورة الفاتحة يؤكد على أهمية الثناء وشكر الله تعالى على نعمه الكثيرة، فهو المتحكم بالحي والميت وجميع المخلوقات بأمره، ويستحق وحده العبادة والاستعانة به ودعوته للهداية إلى طريق الإيمان الموصل إلى رضاه وجنته، وسورة الفاتحة تعدُّ أفضل السور في القرآن الكريم، وللتأكيد على ذلك، فإنَّ الصلاة تبطل إذا لم يقرأ بها، وتعليم سورة الفاتحة للأطفال هو أول وأهم عمل تقوم به الأم لتعريف طفلها بالدين الإسلامي، ويمكن الاستعانة بالبطاقات في تعليم الطفل بسهولة.




مقالات مرتبطة